التحديات النفسية للعاملين عن بُعد في السعودية.. الأسباب والحلول وفق رؤية 2030

التحديات النفسية للعاملين عن بُعد في السعودية.. الأسباب والحلول وفق رؤية 2030
التحديات النفسية للعاملين عن بُعد في السعودية

مع التحول الرقمي السريع الذي تشهده المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، أصبح “العمل عن بُعد” أحد أبرز الأنماط الحديثة في سوق العمل، فبعد جائحة كورونا، توسعت الشركات في تبني هذا النظام لما يقدمه من مرونة وتخفيض للتكاليف التشغيلية، لكن مع هذه المزايا، بدأت تظهر تحديات نفسية وذهنية حقيقية لدى كثير من العاملين عن بُعد، قد تؤثر سلبًا على الإنتاجية والصحة العامة إن لم تُعالج بطرق علمية ومنهجية.

مفهوم العمل عن بُعد في السعودية

العمل عن بُعد هو نظام يسمح للموظف بأداء مهامه خارج مقر الشركة، غالبًا من المنزل أو أي مكان مزود بالإنترنت، وقد أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية منصة “العمل عن بُعد” الرسمية التي تنظّم العِلاقة بين الموظف وصاحب العمل، وتمنح مزايا تأمينية ورقابية للحفاظ على جودة العمل.

أبرز التحديات النفسية للعاملين عن بُعد

  • العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة:
    • قلة التواصل الوجهي مع الزملاء والإدارة تخلق شعورًا بالانفصال والعزلة، خاصة لمن يعيشون بمفردهم.
    • الدراسات النفسية تشير إلى أن التواصل الاجتماعي الإيجابي يعزز الرضا الوظيفي بنسبة تصل إلى 40%، وهو ما يفتقده بعض الموظفين في بيئة العمل عن بُعد.
  • تداخل الحياة الشخصية مع المهنية: عندما يكون المنزل هو مكان العمل، يصبح من الصعب الفصل بين “وقت العمل” و“وقت الراحة”، مما يؤدي إلى الإجهاد الذهني والإرهاق المستمر، خصوصًا لدى الأمهات والموظفين المتزوجين.
  • ضعف الدعم الإداري والمعنوي: بعض المدراء يركزون على متابعة الأداء عبر التقارير فقط دون تقديم دعم نفسي أو تحفيزي، ما يزيد الإحباط ويؤثر على الثقة بين الموظف والإدارة.
  • زيادة القلق والتوتر بسبب التكنولوجيا: الاعتماد الكامل على الإنترنت والبرامج التقنية يجعل الموظف دائم القلق من انقطاع الاتصال أو المشكلات التقنية، خاصة عند المهام الحساسة أو الاجتماعات الافتراضية.
  • غياب الشعور بالانتماء المؤسسي: العمل من المنزل يقلل من ارتباط الموظف بثقافة الشركة وهويتها، مما قد يؤدي لزيادة معدل الاحتراق الوظيفي أو الرغبة في ترك العمل.

آثار هذه التحديات على بيئة العمل

  • انخفاض الإنتاجية وجودة العمل.
  • زيادة الغياب غير المبرر أو ضعف الالتزام بالمواعيد.
  • ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين الموظفين.
  • تراجع الإبداع والتفاعل الجماعي في المشاريع.
  • هذه التحديات لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل تمتد لتؤثر على الأداء العام للمؤسسة وصورتها في السوق.

حلول عملية لتحسين الصحة النفسية للعاملين عن بُعد

  • تحديد أوقات عمل واضحة: ينبغي على الموظف تحديد ساعات عمل محددة والالتزام بها، مع تخصيص فترات راحة منتظمة لتجديد النشاط الذهني.
  • تهيئة مكان عمل مريح داخل المنزل: بيئة العمل يجب أن تكون منفصلة قدر الإمكان عن غرف المعيشة، مع إنارة جيدة وكرسي مريح وأدوات عمل احترافية.
  • التواصل المستمر مع الفريق: اجتماعات أسبوعية بالفيديو، مجموعات دردشة داخلية، أو حتى مكالمات غير رسمية تساعد على بناء روابط إنسانية وتقوية روح الفريق.
  • الدعم النفسي المؤسسي: ينبغي للشركات السعودية إنشاء برامج “الدعم النفسي المهني”، مثل جلسات استشارات نفسية أو ورش عن إدارة التوتر والإنتاجية.
  • الأنشطة الافتراضية الاجتماعية: تنظيم مسابقات رقمية، لقاءات غير رسمية، أو فعاليات افتراضية تعزز الانتماء المؤسسي وتشجع الموظفين على المشاركة.

دور الحكومة السعودية في تنظيم العمل عن بُعد

أصدرت الحكومة العديد من اللوائح التي تضمن حقوق العاملين عن بُعد مثل:

  • تسجيل الموظف في التأمينات الاجتماعية.
  • الالتزام بساعات العمل الرسمية.
  • تعويض الموظف في حال وجود مشاكل تقنية تمنعه من أداء مهامه.
  • تدريب الموظفين على برامج العمل عن بُعد.
  • هذه الخطوات تُظهر اهتمام الدولة بالجانب الإنساني والتنظيمي للعمل الرقمي.

توصيات مستقبلية

  • تعزيز حملات التوعية بالصحة النفسية الرقمية.
  • إدماج مواد تدريبية عن “الرفاه المهني” ضمن برامج الموارد البشرية.
  • تشجيع الجامعات السعودية على دراسة آثار العمل عن بُعد في المجتمع المحلي.
  • إطلاق منصات استشارة نفسية مخصصة للعاملين عن بُعد داخل المملكة.

العمل عن بُعد أصبح واقعًا لا يمكن تجاهله، لكن نجاحه يعتمد على تحقيق التوازن بين الراحة والإنتاجية، وبين المرونة والانضباط، وحتى يستمر هذا النظام كأحد روافد التطوير الاقتصادي في السعودية، يجب ألا يُغفل الجانب النفسي والإنساني للعاملين، فالموظف المتزن نفسيًا هو الركيزة الأساسية لأي بيئة عمل ناجحة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *