يُعدّ موضوع تقشير الحواجب أو تشقيرها من المسائل الفقهية المعاصرة التي تثير الكثير من التساؤلات بين النساء المسلمات، ففي عصر أصبح فيه التجميل والزينة بأشكالها المتنوعة أمرًا رائجًا، تبرز الحاجة إلى الفصل بين ما أحلّه الشرع وما حرّمه، خصوصًا فيمًا يتعلق بتغيير خلقة الله.
إن البحث عن حكم تقشير الحواجب ليس مجرد فضول، بل هو سعي لإرضاء الخالق، حيث يختلط مفهوم “التهذيب” و”التجميل” مع مفهوم “النمص” الذي ورد فيه نهي صريح، يهدف هذا المقال إلى تقديم تفصيل شامل ومدقق لهذا الحكم، مستعرضًا آراء الفقهاء وأدلتهم.
حكم تقشير الحواجب وما هو تعريف النمص؟
النمص في اللغة هو نتف الشعر، وعند الفقهاء هو إزالة شعر الحاجبين أو ترقيقهما بالنتف (القلع).
دليل التحريم
الأصل في التحريم هو ما ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْوَاصِلَاتِ وَالْمُسْتَوْصِلَاتِ» (متفق عليه).
النمص بهذا التعريف (النتف لغرض الترقيق والتجميل المبالغ فيه) محرَّم بالإجماع عند جمهور الفقهاء لأنه يدخل في باب تغيير خلق الله طلبًا للحسن.
تقشير الحواجب والتشقير: التفريق الفقهي المعاصر
المصطلح المعاصر “تقشير الحواجب” عادة ما يُقصد به عمليتان مختلفتان عن النمص التقليدي:
- تقشير الحواجب (التهذيب/القص):
- ويقصد به إزالة الشعر الزائد الذي يكون خارج إطار الحاجب الطبيعي دون ترقيقه أو تغيير شكله الأساسي، أو قص أطراف الشعر الطويل الذي يغير من شكل الحاجب دون نتفه.
- حكم تهذيب/قص الشعر الزائد:
- رأي الجمهور: الإزالة بالنتف (النمص) محرَّمة. أما قص الشعر الزائد أو تهذيبه الطفيف جدًا الذي لا يغير من هيئة الحاجب الأصلية ولا يقصد به التشبه بالنامصات، اختلف فيه العلماء المعاصرون.
- الاتجاه المبيح:
- بعض العلماء أجازوا تهذيب الشعر الزائد جدًا والمشوه للمظهر، خصوصًا للمتزوجة بإذن زوجها، قياسًا على إزالة الشعر المؤذي أو الخارج عن الحد المألوف، مع التشديد على أن لا يكون بقصد الترقيق.
- الاتجاه المحرّم/المحتاط:
- يرى علماء آخرون أن الأصل هو المنع، وأن فتح باب التهذيب قد يؤدي إلى الوقوع في النمص المحرَّم، ولذلك يفضلون الابتعاط عن كل ما يشبه النمص.
تشقير الحواجب (Blonding)
وهو صبغ الشعر الزائد حول الحاجب أو أسفله بلون فاتح (عادة أشقر) بحيث يظهر وكأن الحاجب مرسوم أو مرقق، دون إزالة أي شعرة بالنتف.
حكم التشقير:
الجواز (الرأي الأرجح): ذهب جمهور من العلماء المعاصرين، ومنهم بعض أهل الإفتاء في عدة دول، إلى جواز تشقير الحواجب بالشروط التالية:
- ألا يكون بقصد التدليس على الخاطب أو الزوج.
- ألا يشبه التشقير عملية النمص المحرَّمة تمامًا (أي أن لا يكون تظاهرًا صريحًا بتغيير خلق الله).
- أن لا تكون الصبغة عازلة تمنع وصول ماء الوضوء أو الغسل.
- التحريم (الرأي المحتاط): يرى بعض الفقهاء حرمته لأنه يعد حيلة للوصول إلى النمص المحرّم، وفيه تغيير لخلق الله بطريقة غير مباشرة، ويعد من باب التبرج.
ملخص سريع
- النمص (نتف شعر الحاجب للترقيق): حرام بالإجماع ويدخل في الوعيد الوارد في الحديث.
- تشقير الحواجب (الصبغ): الأكثر ترجيحًا هو الجواز بالضوابط المذكورة، ما لم يقصد به التشبه المحرَّم أو التدليس.
- تقصير/تهذيب الشعرات القليلة الشاذة: محل خلاف بين العلماء المعاصرين، والأحوط تركه إلا إذا كان الشعر مشوهًا واضحًا للمظهر، وفي هذه الحالة يفضل الأخذ بفتوى عالم ثقة.
